من الدمار إلى محاولات البعث.. كيف حال مكتبات غزة بعد العدوان الإسرائيلي عليها؟
كتبت-هبة خميس ورنا الجميعي:
مرّ يوم الثلاثاء الماضي ككابوس على "سمير منصور" و"شعبان اسليم"، جاءهم الاتصال بإخلاء عمارة الكحيل، وهو مجمع للمراكز التعليمية والمكتبات، وبعدها بخمس دقائق تحول المبنى إلى رُكام، ومن بين ما دُمّر كانت مكتبة "سمير منصور" للنشر والتوزيع، ومكتبة "اقرأ الجديدة" لصاحبها اسليم.
تحوّلت سنوات طويلة من التعب والشقاء إلى أطلال بلمح البصر، في عام 2000 أسس "سمير منصور" مكتبته كما يذكر لمصراوي، بعد أعوام طويلة قضاها في العمل في مجال الكتب والطباعة، فمنذ صغره ليعلم أنه قُدّر لتلك المهنة والمسؤولية مبكرَا.
خلال سنوات صارت المكتبة أكبر وأهم مركز ثقافي بالقطاع، فقد أصر منصور على أن تحتوي مكتبته على العديد من الكتب المُتنوعة في المجالات العلمية والثقافية والتاريخية، وكتب الأطفال كذلك "من أجل إثراء الوضع الثقافي للقطاع".
لذلك اجتذبت مكتبة سمير مختلف أنواع القراء، ولم يقتصر سعي الغزاوي على كون المكتبة للتوزيع فقط، بل تحوّلت لنشر الكتب أيضًا، وفي عام ٢٠٠٤ حصل على حقوق طباعة ونشر مصحف المسجد الأقصى من مجمع البحوث الإسلامية والأزهر الشريف "نحن الوحيدين الذين نملك حقوق الطبع والنشر"، وخلال سنوات نشر منصور لأكثر من ١٥٠ كاتب فلسطيني، كما شاركت مكتبته في العديد من المعارض الدولية، كما اهتمت المكتبة بنشر الأعمال الأولى للكتاب الشباب، لتُصبح قِبلة المثقفين على اختلاف أعمارهم.
لم تُمسّ المكتبة من قبل خلال الحروب السابقة، لكنها لم تسلم من العُدوان هذه المرة، فقضت الغارة على الفرع الرئيسي لمكتبة سمير منصور، والذي كان يحوي ١٠٠ ألف عنوان بقيمة سبعمائة ألف دولار، ومكون من طابقين، وكانت المكتبة تتكفل بمعيشة خمسة عشر أسرة من البائعين والعاملين بالطباعة.
وكانت مكتبة سمير واحدة من المكتبات الموجودة داخل عمارة كحيل، والتي امتلأت بالعديد من المكتبات والمراكز التعليمية، وتكمن أهمية العمارة كونها قريبة من مربع الجامعات حيث تخدم آلاف الطلاب، كما أن الحي نفسه يسكنه مراكز أخرى هامة من بينها وكالة الغوث الدولية.
ليس غريبًا بالنسبة لمنصور استهداف الاحتلال الإسرائيلي للمراكز الثقافية والتعليمية، يرى أن تلك سياسة مُتبعة ومقصودة "لأن المنطقة بعيدة كل البعد عن الأحزاب وليس لها علاقة بالسياسة".
رغم الأسى فإن منصور ممتلئ بالأمل، حيث يُخطط لإعادة إعمار المكتبة في أقرب وقت، وبشكل أقوى من السابق، فهناك العديد من المبادرات التي تسعى لمساعدة المكتبات المُدمرة "المبادرات الحالية شيء جيد بالنسبة لنا لكن حتى الآن لم يتم وضع آلية خاصة للعمل عليها ".
داخل عمارة الكحيل دُمّرت مكتبة "إقرأ الجديدة" أيضًا، كانت المكتبة حُلم اسليم يسعى لتحقيقه منذ سنوات، مثّل دمار المكتبة بالنسبة له انتكاسة كبيرة "طول الوقت كنت بحب الكتب، وكان حلمي الوحيد هو تأسيس مكتبة"، وبسبب الحصار الذي يعيش فيه أهل غزة تمنى دعم الثقافة وتوفير الكتب التي يحتاجها طلبة الجامعات.
بالقرب من الجامعات أسس اسليم مكتبته، لتكون نقطة تجذب القراء وطلاب الجامعات بشكل يومي، واستمرت المكتبة على تلك الوتيرة منذ يوم الافتتاح حتى تدميرها. طوال الوقت كان اسليم حريص على تلبية رغبة زبائنه من القراء بالكتب المطلوبة من مصر ومختلف الدول العربية.
لكن منذ بداية الغارات الإسرائيلية على غزة في العاشر من مايو الماضي قرر الغزاوي غلق مكتبته، لكنه لم يفكر أبدًا في نقل محتوياتها "كنت بعتقد إنه مفيش تهديد أبدًا للمكان، لأنه مخصص للتعليم والثقافة، هيضايق الاحتلال في ايه؟".
غير أن يوم الثلاثاء الماضي حمل إجابة مُختلفة لإسليم، حين قصفت قوات الاحتلال البناية بأكملها، ليُصدم الرجل بسبب ضياعه حلمه الذي وضع فيه كل ما يملك من مال ومجهود.
رغم الوجع والصدمة الكبيرة إلا أن عديدين سارعوا للتضامن مع أصحاب المكتبات، من بينها اتحاد الناشرين المصريين الذي فتح الباب لتلقي مساهمات الناشرين المصريين والعرب من داخل مصر لإعادة المكتبات المتضررة، من خلال التبرع بكرتونة كتب تخصص لصالح المتضررين.
كانت هناك أيضًا مُبادرات فردية، مثلما فعل حمزة القرش من القدس، وتحديدًا يسكن حي "الصوانه"، فقد استيقظ يوم الثلاثاء على خبر تدمير مكتبة سمير منصور، ويقول لمصراوي "كان شعور كتير محزن، وتأثرت إنو الاحتلال عم بستهدف حتى المكتبات بقصفه"، وحاول القرش أن يتضامن بطريقته، خطرت له فكرة بناء مكتبة صغيرة بنفس اسم مكتبة سمير منصور إحياء لها.
وقام القرش ببناء المكتبة داخل حي الشيخ جراح الذي يتظاهر أهله يوميًا مؤكدين على أنهم أصحاب الأرض، لذا وجد الشاب فكرة المكتبة جيدة لنفع الشباب المُتضامنين أيضًا "كتير بشوف الشباب والبنات قاعدين بدهم شي يعملوه"، ومن أجل تقوية رباطهم داخل الحي "بيكونوا عم بيتثقفوا كمان ويخوفوا بوجودهم المستوطنين".
ومنذ بداية شهر مايو شهد حي الشيخ جراح بالقدس اضطرابات بين قوات الاحتلال الإسرائيلي وأهالي الحي، وذلك على خلفية دعوى قانونية طويلة الأمد قُدّمت من المستوطنين الإسرائيليين ضد 28 أسرة فلسطينية تواجه خطر الإخلاء من منازلها المقامة على أراضي يزعم المستوطنون أنها تحت ملكيتهم، وقد قام أهالي الحي باحتجاجات عديدة خلال الشهر الحالي ضد تلك القضية.
أخذ القرش يجلب الكتب يملأ بها المكتبة الصغيرة، وإلى الآن احتوت على ٥٠ كتاب لمؤلفين فلسطينيين، وهي مُتاحة للاستعارة لأهالي حي الشيخ جراح وللفلسطينيين من خارج الحي أيضًا.
فيديو قد يعجبك: