بالفيديو- كاميرا مصور فلسطيني توثق ضرب الاحتلال له في الأقصى
كتبت-إشراق أحمد:
ترافق الكاميرا رامي الخطيب أينما ذهب، في مشواره اليومي للمسجد الأقصى، وما إن يسمع بوقع خطب في القدس. كثيرًا ما صور إعتداء شرطة وجيش الاحتلال على المقدسيين، ساعد توثيقه في تحرير معتقلين، ونقل صوت الفلسطينيين لخارج أرضهم وهو في مكانه، في المقابل لم يعد بجسده مكان إلا ويحمل أثر لركلة أو رصاص مطاطي، لكن هذه المرة كان الخطيب نفسه بطل المشهد؛ وثقت كاميرته ما جرى له يوم الجمعة 15 إبريل بالصوت والصورة.
منذ فجر الجمعة ويشهد المسجد الأقصى في مدينة القدس المحتلة، اقتحامات يومية من جنود الإحتلال الإسرائيل لتأمين دخول المستوطنيين إلى ساحة الحرم المقدسي وإقامة معتقداتهم في عيد الفصح اليهودي المستمر على مدار أسبوع ما بين 15 إلى 23 إبريل، ويتزامن هذا العام مع شهر رمضان كما حدث العام الماضي.
شغف الخطيب بالتصوير دفعه ليصبح مصورًا صحفيًا حرًا، وغرامه بالأقصى، جعله يعمل في دائرة شؤون الأوقاف الإسلامية، فجمع بين ما يحب، وصار مرابطًا بكاميراته داخل الأقصى. وشأن أهل القدس، توقع الخطيب أن ترتفع حدة الانتهاكات لكن ليس أن تصل للاقتحام، ففي الأسبوع الماضي، زادت دعوات المستوطنين المتطرفين لـ"ذبح القرابين" في الأقصى، وهو التقليد الذي يسعون لتنفيذه في عيد الفصح اليهودي كل عام، ويمنعهم عنه المرابطون المقدسيون.
صباح يوم الجمعة 15 إبريل، ما إن علم الخطيب بأن قوات الاحتلال اقتحمت الأقصى، حمل كاميرته متوجهًا صوب الحرم، في غضون السابعة كان المصور الشاب عند ساحة المسجد القبلي، الواقع أقصى جنوب الأقصى، شاهد بعينيه ووثقت كاميراته ما يفعله الاحتلال "ماهمهمش ولا حاجة. ما سابوش حدا سليم. كانوا قاصدين يكسرونا"، لاحظ المصور تعمد الضرب بالهراوات على الأيدي والأرجل دون تفريق ما بين طفل وكبير، ولا شاب وامرأة، فيما يُسمع صوت المطاطي يخترق القسم العلوي من الأجساد.
ليست المرة الأولى التي يوثق فيها الخطيب الاعتداءات بالأقصى، لذا بات لديه خبرة التعامل، يحرص المصور الشاب أن يقف على مسافة من الجنود، وفي الوقت ذاته يحرص ألا تتوقف كاميرته عن التصوير.
التفت الخطيب إلى أن شيئًا مختلفًا في هذا الاقتحام عن سابقه "كانوا من قبل يسلطوا الضرب على المتظاهرين والشباب المرة دي كل اللي كان موجود اتصاب في ناس اتصابت من اوروبا كانوا جايين يصلوا في الأقصى من تركيا".
وبينما يسير الخطيب بكاميرته متوجًا لقبة الصخرة، في قلب الأقصى، ومازل يصور الاعتداء على المقدسيين والإشارات المسيئة من جنود الاحتلال للمصليين، إذا بجندي إسرائيلي يلتفت ويتقدم نحوه في عنف، يقول الخطيب أنه كان على قرابة 20 مترًا منه، وما إن وصل إليه دفعه حتى يلحق به عدد آخر من الجنود.
لم تشفع كلمة سيدة بالجوار "هاد صحفي" لتمنع الضرب عن الخطيب، لم ينطق الخطيب بكلمة، فقط قبض على معداته "كان كل همي أحط الكاميرا على الأرض واضرب قد ما بدك وأخلص".
سقط المصور الشاب أرضًا لحماية كاميرته من شدة الضرب بالهراوات، التف حوله أكتر من 5 جنود، استمروا في ضربه، وركله أحدهم في رأسه، فقط الخطيب الوعي جزئيًا وحُمل إلى المشفى، وسط صيحات المقدسيين "والله دبحوه دبح" في إشارة لشدة ما تلقاه من ضربات. لم يعلم المصور ولا المعتدين أن الكاميرا لازالت توثق ما يجري حتى لحظة نقله لإسعافه.
تلقى الخطيب العلاج، وخرج من المشفى بعد ثلاثة ساعات بجرح في رأسه، وكسر في ذراعه الأيمن، يلزم وضعه بالجبس 45 يومًا، ورضوض بكل أنحاء جسده. رغم هذا عاد المصور للأقصى مرة ثانية ليمسك كاميرته مستخدمًا يده الأخرى، لم يرغب الخطيب أن ينل جنود الاحتلال ما أرادوا "هما بيضربونا عشان يرهبونا ونقعد في البيت لكن نحنا هنفضل ننزل على الأقصى ونغطي الأحداث لآخر رمق في حياتنا".
باليوم التالي، عاد الخطيب للأقصى، حاول جنود الاحتلال الاعتداء عليه مرة ثانية. حاول زملائه نصيحته بالراحة، لكنه لم يستجب "الذهاب للأقصى زي الروتين اليومي زي الأب لما يطمن على ابنه أو بنته كل يوم ما ينفعش أخد إجازة منه".
كذلك شعر المصور أنه لا وقت للانهيار كما كان يحدث بالسابق "لما كنت اتعرض لاعتداء أو أوثق انتهاكات نفسيًا لما أرجع البيت واستعيد الأحداث اتاّذى نفسيًا"، يتذكر الخطيب أنه أحيانًا يقضى نحو أسبوع رافضًا التحدث لأحد.
أكثر من 152 إصابة شهدتها إعتداء قوات الاحتلال على المسجد الأقصى يوم الجمعة الماضي، بينهم 4 من العاملين بالأقصى، فيما بلغ عدد المعتقلين نحو 400 فلسطينيًا كما أفادت هيئة شؤون الأسرى والمحررين. أفرج عن عدد منهم ولا يزال البعض يتلقى العلاج في المستشفيات.
تعرض الخطيب لاعتداء جنود الاحتلال مرات عديدة، لكن هذه المرة لم توثقها فقط كاميرات زملائه والمتواجدين مكان الحدث بل عدسته الشخصية. لم يحزن المصور الشاب كما فعل معارفه وأصدقائه. لدى ابن القدس يقين بأن التعدي عليه كان مقصودًا "أنا معروف لجنود الاحتلال لأني بشتغل في الأقصى وكمان لأن صورت فيديوهات أنقذت ناس من السجن والأحكام".
يذكر الخطيب ما وقع في 12 أكتوبر 2021، حينما خرج من الأقصى، فإذا به يسمع جلبه بإحدى طرقات البلدة القديمة "شوفت شاب نايم على وجهه ومن فوقه جنود الاحتلال"، على الفور أدار المصور كاميرته، كان بيد الشاب الفلسطيني زجاجة مياه ألقاها كرد فعل تلقائي حينما أمر الضابط الإسرائيلي الجنود بضربه قبل أن يعتقلوه، ويقدموه للمحاكمة بتهمة التخطيط للاعتداء على الشرطة الإسرائيلية والدليل الزجاجة بيده "اقتطعوا الجزء بتاع القنينة لإدانته".
على الفور حينما علم الخطيب بالأمر، تقدم بالفيديو الكامل لمحامي الشاب ومن ثم المحكمة الإسرائيلية "الفيديو كان واضح 6 دقايق بدون مونتاج". لم يستطع قاضي الاحتلال إيجاد ثغرة فتم الإفراج على الشاب المدعو "شادي الخروف"، بل ورُفعت دعوى قضائية على الضابط الإسرائيلي، وبالفعل تم إخراجه من البلدة القديمة.
لمثل هذه الانتصارات الصغيرة، تهون الصعاب على الخطيب، ويعلم أن تركه للعمل كسائق واختياره طريق تصوير الأفلام قبل 12 عامًا ثم الصحافة لم يذهب سدى. أصبح المصور معروفًا لأهل القدس ومرتادي الأقصى.
يحرص الخطيب أن يطور نفسه، يتابع حسابات الإسرائيلين وإعلامهم، يجد ثغرات تدليسهم للحقيقة وينتبه لها وقت التصوير حتى لا يعطيهم الفرصة لإدانة فلسطيني، يتمسك بحريته في العمل الصحفي، لذا وصلت مقاطعه المصورة للعديد من وكلات الأنباء كما يقول "الفيديو بدون لوجو لمكان بعينه بينتشر أكت وده بيدعم القضية".
يواصل الخطيب الذهاب للأقصى رغم إصابته، ينتظر أن يتعافى بفارغ الصبر، ففي كل زاوية بالأقصى قصة وثقتها عدسة المصور المقدسي أو تنتظر أن يسجلها.
فيديو قد يعجبك: