صاحب فكرة ملتقى الأزهر للكاريكاتير: حققنا جزء من الحلم وهدفنا تغيير الصورة المغلوطة (حوار)
كتبت-إشراق أحمد:
كان عبد الله الصاوي يواصل مسيرته في جمع رسوم الكاريكاتير وتوثيق تاريخه، حتى خطر على باله حلم جديد؛ أعادت بعض الصحف الأجنبية نشر الرسوم المسيئة للنبي محمد التي أطلقتها الصحيفة الفرنسية الساخرة شارلي أبدو عام 2015. تساءل الباحث الثلاثيني "ليه ما نردش عليهم بالكاريكاتير. زي ما بيستعملوه كسلاح في رسم بيسيء لرموزنا ليه ما نستخدمش نفس السلاح لكن في نشر قيم المحبة والتسامح ونبذ العنف والتعصب؟"، ولم يجد الصاوي إجابة أفضل من التواصل مع الأزهر الشريف لإقامة ملتقى دولي للكاريكاتير.
في مارس 2021 بدأت الحكاية، ويوم الأحد الماضي، 24 يوليو الجاري، تحقق حلم الصاوي بافتتاح النسخة الأولى لملتقى الأزهر الدولي للكاريكاتير، بمركز المؤتمرات في مدينة نصر "كنت في غاية السعادة خاصة أن الكل كان شايف أنه حلم صعب المنال". ما رآه الباحث الشاب في رحلة الموافقة والتحضير للملتقى زادته يقينًا بأن الأمر ربما مرهقًا لكن ليس عصيًا على التحقيق "الناس كانت سعيدة جدًا ماكنتش متخيلة أن الكاريكاتير هيكون عليه هذا الإقبال من طلبة الأزهر".
وجد الصاوي ترحيبًا كبيرًا من القائمين على الأزهر لتنفيذ الفكرة. بدأت الرحلة بتقديم طلب إلى الدكتورة نهلة الصعيدي، مدير مركز تطوير وتعليم الوافدين والأجانب التابع للأزهر، وبدورها رفعت الأمر للقيادات، ليلقى الباحث الشاب دعمًا ماديًا ومعنويًا مرضيًا كما يقول لمصراوي.
تضمن الملتقى إقامة معرض يجمع محترفي وهواة الكاريكاتير من كل دول العالم، ومسابقة، وتكريم رواد هذا الفن الذي تعد مصر رائدة فيه كما يقول الصاوي، الباحث المتخصص في تاريخ الرسوم الكاريكاتورية "مصر صدرت فن الكاريكاتير للعالم كله من 4500 سنة".
قبل نحو 4 أشهر، بدأ التحضير للملتقى، فريق كبير انقسم لعدة لجان، ما بين تنظيمية وتنفيذية وعلاقات عامة إعلان، شارك البعض من مركز تطوير وتعليم طلاب الوافدين والأجانب، وأخرون من المشيخة، وانضم عاملون في مطابع الأزهر، وفنانون من خارج مصر، فيما تولى الصاوي مهمة القوميسير العام للملتقى. الجميع عزم الهمة لأجل أن يخرج أول ملتقى فني يقام في مصر برعاية الأزهر وتتجاوز إجمالي جوائز المسابقة الخاصة به حاجز 8 آلاف دولار حسبما ذكر الصاوي.
شارك في مسابقة الكاريكاتير 150 رسامًا في أكثر من 50 دولة، واستقبل الملتقى ما يتجاوز 400 عملاً، لكن تم فرزها عبر لجنة فنية تشكلت تحت إشراف وكيل الأزهر دكتور محمد الضويني، وترأسها مدير مركز تطوير وتعليم الطلاب الوافدين والأجانب. يقول الصاوي إن المسابقة انقسمت إلى فرعين، الأول رسم الكاريكاتير ومعايير اختيار الأعمال تستند على وثيقة الأخوة والإنسانية التي وقعها شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان عام 2019، وأما الفرع الثاني ففي رسم بورتريه للشخصيات.
250 عملاً استوفت الشروط وقَبِلها الملتقى وتنافست ليحصد 6 فائزين في كل فرع الجوائز المادية والشهادات، وتُعرض جميع الأعمال في المعرض الذي يستمر حتى 28 يوليو الجاري، إلى جانب ركنًا خاصًا لعرض رسومات رواد الكاريكاتير الذين كرم الملتقى أسمائهم في حفل الافتتاح وهم الفنان الراحل ألكسندر صاروخان، والفنان الراحل محمد عبدالمنعم رخا، والفنان الراحل أحمد طوغان، والفنان الراحل جمعة فرحات، والفنان شريف عليش، والفنان محمد حاكم. .
لم يقتصر الملتقى على الفعاليات القائمة حاليًا من معارض وندوات وتكريم، بل سبقه فاعلية أثرت في نفس الصاوي، إذ أقيمت ورشة لمدة أسبوع في مركز تطوير وتعليم الطلاب الوافدين والأجانب، تفاجأ القائمون على الحدث الجديد على الأزهر بإقبال الطلاب "شارك حوالي 70 طالب من أكثر من 50 دولة والنتائج كانت مبهرة". لمس الباحث نظرات الدهشة والسعادة في وجوه الطلبة أثناء شرح تاريخ الكاريكاتير في مصر وكيف كان لها الريادة في هذا، لتخرج رسومهم عن نجيب محفوظ ومحمد مشالي طبيب الغلابة ومحمد صلاح وغيرهم من الشخصيات "محدش كان متخيل إن الطلبة الأجانب هيبقوا متفاعلين معانا كده".
استقبل الصاوي إحساس النجاح قبل إفتتاح الملتقى "أنك تعرف الطلبة أن الكاريكاتير فن هادف يمكن استخدامه للرد على المشككين في الإسلام ووسطيته وده أهم دور بالنسبة لي لأنهم مش محترفين لكن بيرسموا بالفطرة"، وهذا قلب مشوار الباحث الشاب مع الكاريكاتير، فما كان التجمع الدولي سوى خطوة في مشروع أكبر يعمل لأجله منذ عام 2012، وأطلق عليه "ذاكرة الكاريكاتير".
لا يجيد الصاوي الرسم بأي شكل، لكنه يتقن البحث في التاريخ بحكم دراسته له، والصدفة وحدها قادته إلى الشغف بالكاريكاتير حد مغادرة إقامته في محافظة البحيرة والاستقرار في القاهرة. كان يبحث الشاب الثلاثيني عن موضوع لرسالة الماجستير، ومن بين قائمة أفكار عرضها عليه المشرف له، انجذب للكاريكاتير ليبدأ الحلم المستمر بجهود ذاتية على مدار سنوات ووصل إلى جمع أكثر من 50 ألف رسم كاريكاتوري، وإقامة العديد من المعارض والندوات واللقاءات الإعلامية بهدف الحفاظ على التراث المصري في هذا الفن وإعادة كتابة تاريخه.
يؤمن قوميسير عام ملتقى الأزهر الدولي الأول للكاريكاتير في أن هذا الفن "ًصورة مصورة جميلة لتاريخ مصر. يعني اللي عايز يعرف التاريخ ممكن يعرفه من خلاله في الفترة من بعد ثورة 19 حتى الآن"، ورغم هذا يحزن الباحث الشاب لعدم الاهتمام بهذا "الكنز" كما يصف وكتابة تاريخه وحكايات رواده وأعمالهم وفق منهجية علمية صحيحة، ولهذا كان الملتقى وسيلة مهمة لإبراز دور الرسوم الكاريكاتورية.
يعلم الصاوي أن "الكاريكاتير" ذات يومًا "كان بيهز دول"، فأراد أن يعيد له مكانته وفي الوقت ذاته يحقق الهدف في مواجهة الفكر بالفكر، وكذلك تغيير الصورة المغلوطة عن الأزهر "بأنه يدعم التعصب"، قائلاً إنه لا ينتمي إلى المؤسسة الدينية لكن رأى منها قبولاً لأفكاره "الأزهر بيرحب بكل الفنون الهادفة سواء داخل مصر أو خارجها على أن يكون الفكر بناء وليس هدام".
يعتقد مؤسس ذاكرة الكاريكاتير أن الملتقى حقق نجاحًا خاصة في ترك الأمل لدى الرسامين الشباب بوقت عصيب يواجه محترفي ومحبي الكاريكاتير في إيجاد مكان يحتضن أعمالهم ويرحب بها، وكذلك في توصيل الرسالة بشأن الأزهر الشريف "حبينا نقول يا جماعة أحنا مش ضد الفن"، لذا يتمنى الباحث الشاب أن يستمر الملتقى سنويًا سواء بوجوده أم لا.
ولا يتوقف الصاوي عن الأحلام لذاكرة الكاريكاتير، يسجل كل أفكاره ليحققها تباعًا، فيواصل العمل على المسح الكامل لكافة الرسوم منذ بداية 1878 حتى الآن، فيما يأمل لو أبصر كل عام كتابين أو ثلاثة عن رواد هذا الفن المجهولين.
ويسعد لتخيل أن يستيقظ يومًا ليجد مدرسة أكاديمية متخصصة لتدريس الكاريكاتير "حتى الآن لا يدرس ولا في كليات الفنون ودي أحد أسباب المأساة"، بينما يأسف لسبق دول مجاورة لنا في هذا الفن "سوريا وإيران عندهم منصات من أهم المواقع في العالم"، ولا ينقص أمنيات صاحب فكرة ملتقى الأزهر الدولي سوى اهتمام الجهات الثقافية المعنية للحفاظ على الكاريكاتير "لأنه كنز من كنوز وقوة مصر الناعمة المؤثرة في محيطها العربي والإسلامي والدولي"، وكلما وضع الصاوي حلم جديد زادت رغبته في أن تعود مكانة الكاريكاتير "و أقدر أحقق ولو 505 من المشاريع اللي شغال عليها".
فيديو قد يعجبك: