إعلان

"عمدة السودانيين" في مصر.. الملاك الحارس للهاربين من الحرب

01:43 م الأحد 30 أبريل 2023

عبد الله قوني

كتب: محمود الطوخي:

المعارك دائرة على أشدها، والرصاصات الطائشة لا تفرق بين مدني أو عسكري، وارتدادات المدافع تزلزل المنازل. الحرب وإن ربحها أشخاص فالسودان هو الخاسر في كل الأحوال، مهما كانت النتائج، كل هذه أمور يتابعها عبد الله قوني صاحب الأربعين عاما على شاشة التلفاز بأحد المقاهي بمنطقة حدائق المعادي وقلبه يعتصر حزناً على وطنه الذي تُمزق أوصاله حرب ضروس.

آلاف النازحين طرقوا المعابر الحدودية مع دول الجوار هربا من ويلات الحرب الطاحنة بين الجيش السوداني بقيادة البرهان وقوات الدعم السريع المتمردة بقيادة "حميدتي"، لكن السواد الأعظم منهم قصد معبر "أرقين" البري على الحدود المصرية السودانية.

ربما تذكر قوني أيامه الأولى حينما وصل إلى مصر هائماً مستهل سبتمبر2007 تاركاً السودان بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة، وحلّ ضيفا على أخيه "مصعب" بغرفته التي يقيم فيها فوق سطح إحدى العمارات السكنية بمنطقة حدائق المعادي، فحينها لم يكن يدر كيف سيعيش في مجتمع لا يعرف شيئا بعد عن ثقافته أو عاداته وتقاليده؛ فاسترشد بتلك الكلمات التي لقنه جدّهُ إياها "خليك مستمع أكثر ما تتكلم.. هاتستفيد أكثر"، فذهب يجالس من سبقوه إلى مصر في المقاهي وتجمعات الجالية السودانية في القاهرة؛ للاستفادة من تجاربهم في الاختلاط والاحتكاك بالشارع المصري الذي لا يختلف كثيرا عن نظيره السوداني من حيث العادات والتقاليد "إحنا أولاد عمومة بحكم التاريخ وكوننا دولة واحدة في الماضي"، بحسب قوله.

يتواصل قوني باستمرار مع بعض من التجار السودانيين المقيمين بمحافظة أسوان للاطمئنان على أحوال أبناء وطنه، وتقديم المساعدة الممكنة للأسر القادمة إلى القاهرة عن طريق توفير المسكن المناسب للقدرة المالية لكل فرد، ويبقيهم على مقربة منه لإرشادهم إلى ما يحتاجونه من أماكن لتوفير الرعاية الصحية من خلال بروتوكول قام بتوقيعه مع إحدى شركات التأمين التي توفر قاعدة بيانات لأكثر من 700 طبيب ونحو 70 مستشفي في أنحاء القاهرة، قدم من خلاله الخدمة الطبية لأكثر من 3 آلاف أسرة على مدار 3 سنوات.

يعكف قوني على خدمة ومساعدة أبناء الجالية السودانية منذ قرابة 15 عاماً، ودائما ما يسعي في تذليل ما يواجههم من معوقات قانونية أو شخصية، يجاملهم في أفراحهم ويؤازرهم في أحزانهم حتى نصّبوه عمدة عليهم يحتكمون إليه في خلافاتهم.

يقول قوني لـ "مصراوى" إن " كثيرا من الأعمال يقوم بها السودانيون في مصر لكن جميعها أعمال هامشية، حيث يشغلون الأعمال المنزلية والنظافة وحراسة المباني السكنية وحتى رعاية المسنين، أما عن الأعمال المكتبية التي تحتاج لمؤهلات جامعية فهم لا يسعون إليها في بلد يفوق تعداده 100 مليون نسمة بالكاد يحصلون على تلك الوظائف"، على حد قوله.

يبلغ تعداد الجالية السودانية في مصر أكثر من ٤ ملايين نسمة وفق إحصاءات رسمية، يتفرقون في أغراض تواجدهم بين طلبة أتوا للدراسة بالجامعات والمدارس المصرية، ولاجئين سياسيين، ومنهم أيضا من أتى هارباً من الصراعات المسلحة التي عانى منها السودان على مدار الأعوام الماضية.

على الأرض الوضع أكثر مأساوية مما تعرضه شاشات التلفاز المختلفة، فعلى الجانب الآخر من الحدود داخل السودان تنحدر الأوضاع من سيء إلى أسوأ، طوابير من السيارات اصطفت لمسافة كيلومترات أمام محطات الوقود، للحصول على الوقود لاستكمال مسيرها نحو الحدود، وأسعار تذاكر الناقلات زادت بنحو عشرة أضعاف فبلغ سعر التذكرة نحو 200 ألف جنيها سودانيا (أكثر من 10 آلاف جنيهاً مصرياً)، ولا سبيل لغير المقتدرين إلى الفرار من محيط النزاع، كل تلك روايات من استقبلهم قوني خلال الأيام الماضية.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان