بين السودان وأسوان والقاهرة.. "بتول" تُعاند اللجوء وتبحث عن الرزق
كتبت-شروق غنيم ودعاء الفولي:
كانت الابتسامة لا تُفارق وجه بتول سليمان. تشرح السيدة السودانية طبيعة المنتجات الموضوعة أمامها على الطاولة، بين البخور، الزيوت الطبيعية، الحنّاء وغيرها. تتودد للمشترين بصبر بالغ، كأنها لا تحمل مشكلات العالم فوق كتفها، تظل تُخبر نفسها أن المبلغ الذي ستعود به للمنزل يستحق التعب، ولو كان قليلا.
بالأمس وداخل حديقة الأسماك بالزمالك، حيث تُحيي هيئة الأمم المتحدة اليوم العالمي للاجئين، ذهبت السيدة الخمسينية لتشارك وتعرض منتجاتها.
منذ خمس سنوات هاجرت الأم رفقة أولادها الستة وزوجها، من ولاية جنوب كُردفان هربا من الحرب الطاحنة هُناك "الوضع مكانش مُحتمل".. هكذا تتذكر بتول الأحوال، لذا كان التوجه لأسوان حل جيد "كانت الناس بتطلب المنتجات السودانية والشغل ماشي كويس".
لعامين ظل سير العمل جيدا في المحافظة المصرية، اعتادت الأم التنقل من مسكنها للميناء لاستقبال العطور والبخور وغيرها، كان تعليم أولادها هو الهدف الأول، لذا تغاضت عن الكثير من الأزمات.
لم تسلم بتول من كلمات "يا سمرا.. يا سمارة"، وغيرها من تعبيرات عنصرية "انا كنت بستحمل، لكن ولادي مبيقدروش". يدرس ابنها الأكبر في الثانوية الأزهرية "كان بيصعب عليه يسمع كلام مش كويس"، عانى صاحب الـ18 عاما من حالة نفسية سيئة، ومع الضغط وصعوبة الظروف المادية "اضطر يسيب الدراسة بقالة أكتر من سنة عشان يشتغل، رغم شطارته وتفوقه".
لا تقتصر منتجات بتول على السودان فقط "فيه منها بييجي من الخليج زي العطور، والبخور منه يمني لكن بيتصنع في السودان"، تتفاخر السيدة الخمسينية بما لديها "في أسوان الناس كانت بتشتري مني بالجملة عشان عارفين إن كلها حاجات أصلية"، بينما اختلف الوضع مع انتقالها للقاهرة "مبقتش أبيع غير لما يبقى فيه مهرجان أو مناسبة".
القدوم للقاهرة لم يكن اختيار بتول "التعامل في أسوان مبسطنيش، وروحت مفوضية اللاجئين فقالولي انقلي القاهرة وهيبقى ليكي مُرتب"، وهو ما حدث بالفعل، لكن الراتب توقف مطلع شهر رمضان الماضي فجأة "لقيتهم بيتصلوا عليا بيقولوا لي ملفك اتقفل ولازم تعملي واحد جديد"، لم تعرف الأم كيف تتصرف "لحد دلوقتي ملناش دخل ثابت، والمدارس على الأبواب".
كلما اسودت الدنيا في وجه بتول، تذكرت وطنها، وكيف كان كل شيء زاهيا قبل الحرب "كان عندنا بيت وأهل هناك وزوجي شغال وبلا مشاكل"، تتمالك دموعها حين تأتي سيرة زوجها الـ"مفقود من خمس سنين".. فعقب قدومه مع الأسرة لأسوان، حاول العودة للسودان مرة أخرى عن طريق حلايب وشلاتين "ومن وقتها ملهوش أثر".
اللجوء بات رفيقا لبتول، وكذلك أبنائها. لا يستطيع أكبرهم التعايش مع الوضع "اشتغل في أكتر من مكان لكن الوضع مكنش جيد"، تحكي الأم بأسى عن واقعة تم ضربه فيها بأحد المخابز الألية "كان لسة صغير والعيش طري بسببه"، أثّر ذلك على حالته الجسدية أيضا، وبعد الطواف على أكثر من طبيب "قاعد بالبيت، لا قادر يشتغل ولا عارف يدرس".
الوطن بالنسبة لبتول الآن هو أولادها ورعايتهم، أما العودة للسودان فغير مطروحة "الوضع رغم صعوبته هنا لكنه آمن جدا عن جنوب كردفان"، لم تترك الأم خلفها هناك سوى أقارب بعيدين، فيما ما تزال سيرة والدتها توجعها "اتوفت وانا بمصر.. مقدرتش أحضر الدفن ولا العزاء، هي كانت الوطن وراحت، مبقاش حاجة أرجع عشانها".
فيديو قد يعجبك: