بالصور- حين تتجنب أن تصبح "أنت الخبر".. حكاية مصور في غزة بين الحرب والتصعيد
-
عرض 7 صورة
-
عرض 7 صورة
-
عرض 7 صورة
-
عرض 7 صورة
-
عرض 7 صورة
-
عرض 7 صورة
-
عرض 7 صورة
كتبت-رنا الجميعي:
حين انتشرت صورة محمود عجور صباح أمس، لم يستغرب الأمر، لأنه تعوّد أن جُزء من وظيفته كمصور هو تغطية جميع الأحداث في قطاع غزة، السيء منها قبل الجيد، لذا كان من الطبيعي أن يشترك عجور في تغطية أحداث القصف الذي جرى لقطاع غزة، خلال الأسبوع الماضي، وتبعاته المستمرة حتى الآن.
كان عجورة قد التقط صورة لجملة مكتوبة على سبورة داخل مدرسة يافا الثانوية، كُتب عليها "لا غياب لأن اسماعيل أثبت حضوره في جنان النعيم"، الصورة أحدثت تأثيرًا كبيرًا على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد كان اسماعيل واحدًا من 32 شهيد فلسطيني سقطوا جرّاء القصف الإسرائيلي، وقد استشهد اسماعيل برفقة شقيقيه أحمد وابراهيم عبد العال، وقامت مدرسته بتنظيم نشاط لتقديم التعازي لزملاء الطالب ومُدرسيه، في أول يوم بعد عودة الدراسة.
لم تكن تلك المرة الأولى أو الأخيرة التي يتم فيها قصف غزة، من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، لكن في كُل مرة يكون عجور على أتم الاستعداد، خمس سنوات قضاهم في مجال التصوير داخل مدينته، رأى فيها الكثير من الأحداث المريرة، كان آخرها استهداف اسرائيل لمنزل أحد قيادات حركة الجهاد الإسلامي، وما تبع ذلك من اعتداء اسرائيلي على قطاع غزة.
ففي صباح يوم الثلاثاء الماضي، 12 نوفمبر، أغتيل القيادي بهاء أبو عطا، كما استشهدت زوجته برفقته، بعدها قامت حركة الجهاد بالرد بعملية أخرى، تبع ذلك اندلاع الاشتباكات بين الطرفين، وبسبب العدوان الإسرائيلي استشهد 32 فلسطيني من بينهم 16 مدني، بالإضافة إلى اصابة مئة شخص.
وخلال تلك الأحداث كان عجورة مُستعدًا "مكتوب علينا نكون موجودين بأي لحظة تصير فيها اعتداءات"، وكان واحدًا ممن قاموا بالتغطية الصحفية للأضرار الناتجة عن القصف الذي دار بمنطقة الشجاعية، كما توالت بعد ذلك تغطية مراسم تشييع الجثامين، والتي كان أولها جُثمان أبو العطا وزوجته، غير أن الأصعب كانت جنازات العائلات التي شيعت عدد كبير من أفرادها، حيث فقد آل السواركة ثماني أفراد، وفقدت عائلة عبد العال ثلاث أخوة.
أحداث القصف لم تكن غريبة على عجورة، فبالإضافة لكونه مصور صحفي، فهو فلسطيني يعيش بغزة "أول ما بيعيش عنّا الواحد في غزة، بيصحى من حُضن أمه فيه قصف"، هكذا وصف عجور واقعه، الذي لا ينتهي بكونه غزاوي فقط "بس مبيكونش متوقع إنه هو اللي هينقل اللي بيحصل عنّا للعالم"، وهو ما حدث، حيث اختار الشاب العشريني دراسة الإعلام، وقد حدد مستقبله بأن يصير مصور "مش أنا الشخص اللي يكتب أخبار ويقعد على اللابتوب، لازم أنزل على الميدان".
في بداية عامه العشرين كان عجورة على موعد مع أكبر الاعتداءات التي مرت على غزة في السنوات الأخيرة، وهي الحرب التي بدأت في 8 يوليو 2014، وانتهت في أغسطس من العام نفسه، والمعروفة باسم حرب الواحد وخمسين يوم، حينها كان عجور في تدريبه الأول كمصور، لم ينس الشاب تلك الحرب وآثارها، التي سُرعان ما خاض تجاربه الخطيرة فيها.
في أحد أيام الحرب كان عجور في طريقه لتغطية الأضرار الناتجة عن القصف، يحكي الشاب "واحنا بنصور في نفس اللحظة كان فيه قصف تاني على بعد 20 متر"، وانهار السقف من فوقهم، يتذكر عجورة موقفًا آخر حين ألغى مُديره بالعمل أحد التكليفات الخاصة بالتصوير "وحصل إن المكان نفسه اللي كنا رايحين عليه قصف عليه الاحتلال خمس صورايخ"، يقف الشاب في حديثه ليُعلّق قائلًا "هايدا لحظات صعب الواحد ينساها".
لا تنتهي اللحظات المُريعة التي عاشها عجورة خلال حرب الواحد وخمسين، يذكر في إحدى ساعات التوقف عن القتال "روحنا نغطي على الحدود بشمال قطاع غزة"، ولا ينسى المصور كيف كان شكل المكان، تملؤه روائح فظيعة ومُدمر كليًا "بنصور وفجأة لقينا واحد بيرفع ايده تحت الركام".
إيمان عجور بقيمة التصوير تجعله يُلبي مطالب عمله في أي وقت، ولا يشغل باله بردود الفعل بعدها، فلم يتوقع أن صورة التقطتها ستتناقلها وسائل الإعلام حتى وكالة الأنباء "رويترز"، وتصير صورة اليوم، ففي مساء 25 مارس الماضي التقط عجور صورة انفجار حدث بإحدى المؤسسات في غزة، وحازت صورته شهرة كبيرة.
خمسة أعوام منذ بدأ عجور التصوير، عايش فيها الكثير من الأحداث، سواء بأوقات القصف أو في الأوقات الهادئة التي يعيشها أهل غزة من حين لآخر، حيث يعمل المصور -الذي لا يتبع مؤسسة اعلامية بعينها- على القصص النوعية، يهتم بالتقاط حياة أهل غزة العادية من أنشطة متنوعة يقومون بها "احنا بشر بالنهاية، عنّا روح واحساس، بنضحك ونعيط، عنّا أحزان وأفراح".
أما الأحداث الأخيرة على قطاع غزة فهي ليست غريبة على عجور، غير أنه ساؤه في تلك المرة كثرة الشهداء من المدنيين "ليه يتعمدوا قصف الناس العزل خصوصًا الأطفال"، حيث استشهد حوالي 6 طلبة خلال القصف الأخير.
لا يحلم عجور بالعيش خارج غزة، فهي مدينته التي يُحبها هي وأهلها، لكنه يتمنى السفر من وقت لآخر لتغيير أجواء "الوجع" على حد وصفه، كما يرغب في تطوير أدواته كمُصور فلسطيني، ورغم تغطيته للكثير من الأحداث، لكنه لا يتمنى أن يكون ذات يوم هو "الخبر"، لا يريد أن تنقلب الآية، التي رُبما كادت تنقلب يومًا، حين وقعت قنبلة مطاطية تحت قدميه خلال تغطيته لمسيرات العودة في العام الماضي، وثبت الشاب في مكانه، ولم يقع أرضًا خوفًا على مُعداته، فكل ما دار في باله وقتها "ما حبيت أعمل منظر وأكون أنا الحدث".
فيديو قد يعجبك: